ملاحم الخروج من دير الزور… رحلة محفوفة بالمخاطر وطيف من ألوان “الاستبداد”
دمّر تنظيم “داعش” معالم الحياة في محافظة دير الزور، شرقي سوريا، إثر ممارساته “القمعية” ضد المدنيين في ريفها، وحصاره لبعض أحياء المدينة، وجاءت الضربات الجوية للأطراف المحاربة لـ”داعش” لتحصد أرواح مدنيين، ما دفعهم إلى رحلة النزوح رغم ما تحمله من مخاطر وما تفرضه من أعباء مادية.
رحلة النزوح أو “الهروب” من المدينة تحمّل صاحبها مبلغاً مالياً ضخماً لا يتناسب بأي حال مع الوضع المالي لأبناء دير الزور، كما حدث مع شادي أبو محمد، الذي دفع نحو 10 آلاف دولار أمريكي تكاليف رحلة استمرت 3 شهور انطلاقاً من مدينة الميادين شرق دير الزور إلى أن وصل وعائلته إلى مدينة “غازي عينتاب” التركية، وفق ما ذكر لـ”الصوت السوري”.
أبو محمد، أبٌ لأربعة أولاد، بينهم طفلتين مصابتين بمرض “الثلاسيميا”، تحتاج كل منهما إلى عملية زراعة نقي العظام، أو استبدال الدم كل أسبوعين كحلّ مؤقت.
يقول في حديثه لمراسل “الصوت السوري” “ثمة 3 طرقٍ للخروج من “دير الزور”، الأول باتجاه الشمال إلى محافظة “الحسكة” القابعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والثاني باتجاه الجنوب إلى” دمشق” معقل نظام الأسد، والثالث (وهو الأكثر مسلكاً للمدنيين) باتجاه الغرب إلى مناطق سيطرة “الجيش الحر” في محافظتي “حلب” و”إدلب” سعياً للوصول إلى الأراضي التركية.
وبحسب ما ذكر أبو محمد فإن “تنظيم داعش يمنع خروج المدنيين من منطقة إلى أخرى إلا بعد الحصول على موافقة مغادرة خاصة، تصدر عن أمنيين مختصين في كل ولاية، فضلاً عن ضرورة إيجاد كفيل يضمن دخول أي عائلة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أو القوات الكردية.
ولفت أبو محمد إلى أن طريق “الغرب” فيه مخاطر جمّة، نتيجة الألغام التي زرعها التنظيم في مناطق الاشتباكات، وكذلك معاملة من وصفها بفصائل الشمال بحق أبناء “ديرالزور”، حيث يصنفون أغلب المدنيين كدواعش ويتم التحقيق معهم للتثبت من عدم ولائهم للتنظيم.
تلك خيارات السوريين للهروب من “دير الزور” التي تنزف منذ أكثر من خمس سنوات، على وقع ضربات قاذفات التحالف الدولي ونظام الأسد و”روسيا”، على الأحياء السكنية، ما تسبب بوقوع آلاف الضحايا من المدنيين والجرحى والمعاقين، حيث أضحت المدينة منطقة منكوبة دُمّرت بناها التحتية من جسور ومشافي ومدارس وشبكات الكهرباء والماء. [اقرأ تقريراً للصوت السوري: اضغط هنا].
وبدورها قنصت “الجندرما” التركية عشرات الهاربين من الأراضي السورية إلى أراضيها، وبحسب ناشطين من دير الزور فإن معظم الضحايا هم من المدنيين الهاربين من تنظيم داعش فوقعوا ضحية النيران التركية.
وعلاوةً على ماسبق، يزيدُ “داعش” على كاهل السكان من صعوبات الحياة، عبر فرض قراراته البعيدة تماماً عن نمط حياة أهل الشرق وتدخله في كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية وضغطه الأمني الكبير على السكان، ما حوّل المحافظة إلى سجن كبير.
وإذا تكلل خروج أبو محمد بالنجاح فإن الأمر بات أكثر صعوبة بعد أن تحركت قوات سوريا الديمقراطية في ريف حلب الشمالي والشرقي والرقة والحسكة، إلى جانب إغلاق النظام كافة الطرق الجنوبية مع دير الزور وأغلقت كافة الطريق البرية.
ويخشى المدنيون في دير الزور مع حصار خانق قد تحكمه التطورات العسكرية القادمة، بعد إغلاق الطرق البرية التي كانت دخل منها البضائع التجارية والسلغ الغذائية والاستهلاكية.
الصوت السوري التقى السيدة بديعة الفاضل، 68 عاماً، التي دفعت دفعت مليون ليرة سورية (ما يعادل 2000 دولار) حتى وصلت من “ديرالزور” إلى مدينة “الحسكة”، وأكدت أنها اضطرت للبقاء بمخيم “رجم الصليبي” لمدة 20 يوماً رغم استحالة الحياة فيه على حدّ وصفها لافتقاره إلى أدنى مقومات الحياة.
وأشارت السيدة الفاضل إلى وجود آلاف المدنيين في مخيمات الهول وغيرها المقامة في بادية الحسكة الشرقية يعانون ظروفاً وصفتها بالمأساوية.
نظام الأسد يتبع نفس الاعتبارات على المدنيين الراغبين بدخول دمشق وريفها، وبات يجبرهم على البقاء في مخيمٍ بمدينة “الضمير” إلى الشرق من العاصمة دمشق، أو ينقلهم إلى “معسكر الطلائع” في مدينة “السويداء”، بزعم وجود مخاوف أمنية، بغرض ابتزاز المدنيين وإجبارهم على دفع مبالغ مالية لقاء دخولهم أحياء العاصمة وريفها وفقاً لناشطين.
وفي هذا الصدد أكد السيد هيثم الصالح، 64 عاماً، لـ”الصوت السوري” أنه “بقي محجوزاً من قبل قوات النظام 40 يوماً ومعه أكثر من 400 مدنياً أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ في “معسكر الطلائع”، وتم التحقيق مع أغلبهم قبل السماح لقسم منهم فقط بدخول دمشق بعد دفعهم مبالغ مالية.
بموازاة ذلك قالت السيدة خديجة الموسى، 49 عاماً، إن عناصر “الجبهة الشامية” التابعة للجيش الحر، اعتقلوا ابن أخيها الذي رافق رحلة هروبها من مدينة البوكمال باتجاه ريف “حلب” وصولاً إلى “تركيا”، وذلك بحجة قتاله في صفوف “داعش”، حتى انتهاء الدراسات الأمنية والإفراج عنه.
هو الموت القادم من الشرق ولا خلاص لأهالي دير الزور من سلطة تنظيم “داعش” أو القصف الجوي الذي يطالهم عبثاً من الأطراف الدولية، التي تصرّح بأن ضرباتها تستهدف مواقع لداعش ولكنها تحصد أرواح عشرات المدنيين.
وشهدت الأيام الماضية حركة نزوح من قرى ومدن ضفاف الفرات في دير الزور والرقة والطبقة، بعد الحديث عن انهيار سدّ الفرات، ما دفع عشرات العائلات في دير الزور إلى النزوح نحو باديتها، وفق ما ذكر مراسل “الصوت السوري”. [للمزيد حول سد الفرات في تقرير سابق للصوت السوري : اضغط هنا].
يذكر أن عدد سكان دير الزور في آخر إحصائية قبل اندلاع الثورة السورية بلغ نحو مليون ونصف نسمة، وفي إحصائية تقريبية حصل عليها “الصوت السوري” صادرة عن مركز توثيق الانتهاكات في دير الزور، يقدّر عدد المدنيين في مناطق سيطرة داعش بمحافظة دير الزور نحو 850 ألف مدني، ونحو 70 ألف مدني في أحياء مدينة دير الزور المحاصرة.
* الصورة لمدنيين نازحين من دير الزور إلى ريف حلب (نشرها ناشطون)