تقارير

خمسة وعشرون دولاراً أمريكياً الراتب الشهري للمعلم في جنوب دمشق… يواجه بها غلاء الأسعار وأعباء الشتاء

يواجه المعلمون في جنوب دمشق “المحاصر” موجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية، يضاف إليها أعباء الشتاء، برواتب شهرية لا تتجاوز 25 دولاراً أمريكياً، وذلك بعد تضييق النظام على المعبر الغذائي الوحيد للمنطقة، ورفع نسبة ضريبة “فرع الدوريات” على المواد الأساسية الواردة من مناطق النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة.

أثارت موجة ارتفاع الأسعار مخاوف مُتجددة لدى المعلمين “المنشقين عن وزارة التربية التابعة للنظام السوري”، لا سيما أرباب العائلات المُعتمدين في معيشتهم على رواتبهم الشهرية “غير الثابتة”، وسط غياب مؤسسات تعليمية “رسمية” وانتشار لمؤسسات تعليمية معتمدة على الجمعيات الخيرية والتنموية في تأمين مصاريفها.

بلغ سعر كيلو السكر 450 ليرة سورية، أي ما يعادل دولار أمريكي، وكيلو الطحين 400 ليرة سورية، والزيت الأبيض 500 ليرة سورية، وكيلو الدجاج 1900 ليرة، جرّة الغاز 6000 ليرة في حال توفرها، والديزل (المازوت) 600 ليرة سورية للتر الواحد، والبنزين 650 ليرة سورية، وربطة الخبز وزن 1.5 كيلو غرام تقريبا 250 ليرة سورية.

مقابل هذه الأسعار – التي تعدّ مرتفعة لأبناء جنوب دمشق – يحصل المعلم على ستة حصص أسبوعية، بأجرة ثلاثمائة ليرة سورية للحصة الواحدة أي 75 سنت أمريكي، وبالتالي فإن ما يحصل عليه من أجر مادي لا تتجاوز القيمة الرمزية والمعنوية التي يقدمها المعلم في الصف، في منطقة لا يستطيع المعلم تأمين أبسط مستلزمات حياته اليومية، وفق ما ذكر الأستاذ وليد أبو زيد لـ”الصوت السوري”.

يبلغ الأستاذ أبو زيد 42 عاماً، وهو أب لثلاثة أطفال، مهجّر من الحجر الأسود التي تقع تحت سيطرة داعش إلى بلدات الجنوب الدمشقي، ويعتمد في تدفئة أبنائه على “البطانيات”، إذ لا قدرة لديه على شراء وسائل التدفئة.

الأستاذ أمين أبو مصعب، 29 عاماً، مهجّر من مخيم اليرموك، ويدرّس في مدارس جنوب دمشق، يقول لـ”الصوت السوري” “دخل المعلمين الشهري لا يتلاءم مطلقاً مع مستلزمات الحياة، فأنا ربّ أسرة، لا أستطيع تأمين مواد التدفئة كالحطب والمازوت بسبب ارتفاع أسعارها مقارنة مع دخلي الشهري”.

“الهوّة” بين ارتفاع الأسعار وتدني الراتب أغرقت الأستاذ أبو مصعب وأمثاله بأعباء مالية، فهو مدين لأشخاص ببعض المال، ولا يعلم سُبل سداده، فعشرون دولاراً شهرياً لا تكفي للعيش لمدة أسبوع واحد، ولا بارقة أمل في المستقبل القريب لحياة أفضل.

اضطر أبو مصعب للعمل بعد ساعات دوامه في التعليم، في إحدى المؤسسات الخيرية، ليجني عائداً إضافياً يسدّ شيئاً من ديونه، ولكن أجره مرتبط بالحملات الإغاثية في المنطقة، وهذه الحملات غير ثابتة، وتنقطع في أحيان كثيرة.

غياب المؤسسات والنقابات المعنية بمتابعة شؤون المعلمين وتحصيل حقوقهم في جنوب دمشق، وحالة الفوضى التي تسود المؤسسات التعليمية، تسهم في إفقار المعلم، والوصول بهه إلى أدنى درجات “الهاوية” اقتصادياً، وفق ما ذكر الأستاذ رياض أبو مهدي، لـ”الصوت السوري”.

ويضيف الأستاذ أبو مهدي، 38 عاماً، من بلدة يلدا “اضطر المعلمون – وأنا منهم – نتيجة الظروف للجوء إلى المؤسسات الإغاثية لتأمين بعض الطعام، وغالباً ما أعرض (الحصة الإغاثية) التي أحصل عليها للبيع بغية سدّ بعض الديون المتراكمة بشكل دائم”.

أما المعلمة سوسن أم محمود، متزوجة، ولها ثلاثة أطفل، وزوجها لا يعمل لعدم توفر فرصة عمل، تقول لـ”الصوت السوري” “لدي مصاريف كثيرة، بدءاً من تأمين الطعام، ومصاريف الألبسة الشتوية، وحليب الأطفال، ويضاف إلى ذلك الرسوم المرتفعة للحصول على خدمة الكهرباء”.

وتضيف سوسن “في جنوب دمشق عليك تأمين مائة دولار أمريكي كحد أدنى لتكفيك معيشة شهر واحد، في الوقت الذي لا أستطيع تأمين سوى 10 آلاف ليرة سورية، وقيمتها 25 دولار أمريكي”.

وكان النظام السوري رفع الضريبة المفروضة على دخول المواد الغذائية إلى جنوب دمشق من 10 إلى 30 %، بالتزامن مع بدء جولة المفاوضات بين النظام والمعارضة، ويبدو أن مصير الجنوب دمشقي مجهول للمدنيين، وهو ما يثير مخاوفهم، وفق ما ذكرت مصادر عدّة لـ”الصوت السوري”.

فالأستاذ أبو مهدي يترقّب ما ستؤول إليه المفاوضات، آملاً أن تتاح له فرصة تسمح له بالانتقال إلى خارج المنطقة، وفق ما ذكر لـ”الصوت السوري”.

أما الأستاذ أبو مصعب، قال لـ”الصوت السوري” “أخشى أن أكون “الحلقة الأضعف” في معركة سياسية تخوضها المعارضة في جنوب دمشق، وذلك نتيجة غياب المؤسسات الرسمية للمعارضة”.

تعد مهنة “التعليم” من المهن الآمنة لأصحابها، ويحظى العاملون في قطاع التعليم على مميزات اجتماعية وصحية، ولكن في جنوب دمشق يشعر المعلم بالعجز في تأمين أبسط مقومات الحياة اليومية لعائلته، ويترقب عن كثب مجريات المفاوضات بين المعارضة والنظام، خشية أن تنعكس عليه سلباً، لأن تخلّفه عن مديرية التربية والتعليم التابعة للنظام السوري، قد يعدّ جرماً يُحاسب عليه إذا امتدت يدُ النظام إلى المنطقة.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق