تقارير

هل تفلح المنظمات الحقوقية والمجتمعية في ترسيخ مفهوم “العدالة الانتقالية” وتطبيقه؟!

“إذا قتل أحدهم الآخر، وردّ الآخر بذات الطريقة، وواصل ثالث عملية القتل، فإن السوريين سيقعون في دوامة لن تنتهي، وستصبح سوريا مرتعاً للنزاعات”، لذا فإن تطبيق العدالة الانتقالية والسلم الأهلي من أهم التحديات التي تواجه سوريا في المرحلة الراهنة لمنع القتل وإيقاف شلالات الدماء.

أخذت منظمات حقوقية ومجتمعية تدرك خطورة “الثأر” بين المدنيين والعسكريين على حدّ سواء، لا سيما بعد أن عمّ القتل والتشريد، وارتفع عدد الضالعين بـ”القتل” من جميع الأطراف، ولكن عدد من المنظمات العاملة في هذا المجال متهمة بالإساءة لمفهوم العدالة الانتقالية، لعدم وجود خبرات كافية لدى المدربين والقائمين عليها، وفق ما ذكر الأستاذ بسام الأحمد، مدير منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، لـ”الصوت السوري”.

وعلى صعيد آخر فإن مفهوم العدالة الانتقالية غائب عن ثقافة الشعب السوري، أو يتم تفسيره بشكل خاطئ، فالشاب معن القاسم، من ريف إدلب الجنوبي، سمع عن مشروع “محاكمات لا ثأر”، الذي أطلقته منظمة بادر للتنمية المجتمعية، الاثنين، 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، والذي يدعو إلى حل النزاعات والخلافات عبر المحاكم، وبالطرق السلمية، والابتعاد عن العنف والثأر، واستخدام الأساليب غير المشروعة.

اعتقد القاسم أن مشروع “محاكمات لا ثأر” يهدف بطريقة أو بأخرى للمصالحة والتنازل عن الحقوق، وعدم محاسبة المذنبين على ما اقترفت أيديهم، ومع هذا قرر المشاركة وحضور ندوات المشروع، وفق ما ذكر لمراسل “الصوت السوري”.

ولكنه أدرك أن المشروع ليس كذلك، وإما فيه توعية إلى أن الحقوق يجب أن تؤخذ بطرق قانونية لا يمكن تجاوزه، وقال في حديثه لـ”الصوت السوري” “أدركت بضرورة الإلمام في موضوع التوثيق القانوني، لأنه هو الركيزة التي تُبنى عليها استعادة الحقوق لأصحابها”.

وكان مشروع “محاكمات لا ثأر” قد أُطلق في مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، ويستهدف بالدرجة الأولى نازحي ريف حماة الشمالي من بلدات قمحانة، خطاب، الزوار، لتنامي حالات الثأر بين أبناء المنطقة الواحدة، حيث سُجلت أفعال انتقامية في تلك البلدات عام 2014، وفق ما ذكر أحمد الصباح، مدير المشروع، لـ”الصوت السوري”.

الصباح، مدير مشروع “محاكمات لا ثأر”، قال لـ”الصوت السوري” “يرتكز المشروع على هدفين أساسيين، أولهما: توعوي موجه للمهجّرين من ريف حماة الشمالي في مجالات حقوق الإنسان وأهمية اللجوء إلى المحاكم والابتعاد عن عمليات الثأر المباشر والانتقام العشوائي، وذالك عبر توزيع منشورات ودراسات توعية وندوات”.

“أما الثاني: تدريب مكثف لمجموعة محددة ومخصصة، حول مواضيع حقوق الإنسان،، وحل النزاعات، والسلم الأهلي، وأهمية اللجوء للمحاكم، وذلك بهدف إيجاد لجنة حل وعقد، تعكس ما تعلمته على الشرائح التي تؤثر عليها، وتخلق جو من الوعي من أجل اللجوء للتوثيق، وتكون قادرة على حل المشكلات ضمن البلدات المستهدفة وهي: قمحانة، وخطاب، ومنطقة الزوار”..

ولم يغفل القائمون على المشروع الفصائل العسكرية، إذ أن اللجوء إلى القضاء والابتعاد عن عمليات الثأر، هو مسؤوليتها بالدرجة الأولى، لذا فاستهدف المشروع الحاضنة الشعبية لتلك الفصائل من جميع الفئات العمرية والثقافية، وفق ما ذكر أبو عروة، محاضر في المشروع، لمراسل “الصوت السوري”.

ويسعى القائمون بعد الانتهاء من المرحلة الأولى للمشروع إطلاق مرحلة ثانية تخصّ عناصر الفصائل العسكرية في الشمال السوري، وتقدم لهم دورات وندوات مشابهة، بهدف توعيتهم على ضرورة الابتعاد عن أي أعمال ثأرية قد يقع فيها مقاتلو تلك الفصائل، وفق ما ذكر أحد القائمين على المشروع لـ”الصوت السوري”.

وعلى الرغم من أن هذه المشاريع تمثل نقلة نوعية لزيادة وعي المجتمعات في مناطق الحروب والنزاعات بمفاهيم حقوق الإنسان، وتعدّ خطوة في سبيل منع العودة إلى عمليات الثأر العشوائي، إلا أنها لن تجني ثمارها مالم تتخذ إجراءات عدّة جملة واحدة، كإصلاح المؤسسات، والمحاسبة، والتعويض، وإعطاء الحقوق.

وتعرف العدالة الانتقالية بأنها أسس وآليات تستخدم لتحقيق العدالة في المجتمعات، وتبدأ هذه الفترة في أوقات النزاع بعد اندلاع ثورة أو انتهاء حرب، وهي مرحلة تضبط العديد من الإشكاليات الهامة، من بينها انتهاكات حقوق الإنسان سواء كانت حقوقاً جسدية أو اجتماعية أو سياسية.

وبحسب الأستاذ بسام الأحمد “قد يذهب الناس للثأر في ظل غياب العدالة والدولة ومؤسساتها ولكن إذا تم العمل بشكل جاد، وأجريت محاكمات عادلة سننجح في الوصول إلى عدالة انتقالية وهناك تجارب ناجحة في دول عدّة”.

* الصورة من فعاليات محاكمات لا ثأر في كفرنبل

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق