إلى أين تذهب مفاوضات جنوب دمشق بالمدنيين؟!
رفع النظام السوري الضريبة المفروضة على دخول المواد الغذائية إلى جنوب دمشق “المحاصر” من 10% إلى 30%، كرد تصعيدي، يعبّر عن رفضه على مقترح قدمته “اللجنة السياسية” التابعة للمعارضة في جنوب دمشق.
وأثار الإجراء الذي اتخذه النظام مخاوف الأهالي من التضييق الغذائي عليهم، وسط تدهور الوضع المعيشي، وغياب سوق العمل، ولا يستبعد ناشطون من جنوب دمشق إجراءات أكثر حدّة يفرضها النظام في الأيام القادمة مع تلويحه بإعادة شبح حصار خانق على المنطقة.
بدأت الجولة الأولى من المفاوضات الرسمية بين المعارضة في بلدات “ببيلا وبيت سحم ويلدا” من جهة، ودوائر النظام من جهة أخرى، منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ولكن النظام رفض مُقترح اللجنة السياسية في جنوب دمشق، ومارس تصعيداً نسبياً، تمثل في التضييق على عملية عبور المدنيين، وإدخال المواد الغذائية عبر معبر ببيلا، وهو الوحيد بين النظام والمعارضة.
اعتمدت “اللجنة السياسية” في مشروعها التفاوضي على مبادئ ثابتة لا يمكن المساس بها، كالحفاظ على الأرواح والممتلكات، وعدم تسليم السلاح، وتأمين المنشقين في استكمال خدمتهم العسكرية في بلدات جنوب دمشق، وعدم ملاحقة المتخلفين، وفق ما ذكر مصدر مقرب من اللجنة، رفض ذكر اسمه لـ”الصوت السوري”.
وحسب المصدر “حصرت اللجنة السياسية مشروعها في الدوائر المغلقة، لدى كل المؤسسات، ولكن لم تخرج بنود مقترحها إلى عامة الناس خشية من تحليلي بنوده خطأ”، مشيراً أنها ستعرض مشروعها على جميع أبناء جنوب دمشق، مؤكداً أن “المشروع تم التوافق عليه من كافة القوى العسكرية والفعاليات المدنية”.
غياب المدنيين عن فحوى المفاوضات أثار المخاوف لديهم، إذ اعتبر البعض أن “من حقهم الاطلاع على المضمون الحقيقي للمشروع كونه تقرير مصير ويمسّنا في الصميم، وما تعرضه اللجنة لا يتعدى الكلام العام الأقرب للشعارات”، وفق ما ذكر الشاب أبو كاسم، ناشط إعلامي، ومراسل لمؤسسة إعلامية معارضة، في حديثه لـ”الصوت السوري”.
من جهته يعتقد ضياء محمد، ناشط إعلامي من جنوب دمشق أن “المفاوضات ما هي إلا مراوغة وتضييع وقت للمحافظة على الأرض لأكبر وقت ممكن، ولكن مستقبلاً قد تشهد المنطقة تنازلات بحكم الضعف الذي يعيشه جنوب دمشق” وفق ما ذكر لـ”الصوت السوري”.
أما أبو جمعة، وهو ممرض في مستشفى ميداني بجنوب دمشق، قال لـ”الصوت السوري” “النظام مجرم ولا يعرف إلا لغة القوة، وكل المفاوضات تصب في مصلحته، ولكن مهما حاولت الفصائل فإنها في موضع ضعف، ولا تملك الحاضنة الشعبية الكافية لدعمها ودعم مبادئها”.
الحديث عن مفاوضات بين النظام والمعارضة في جنوب دمشق، يعيد الاتفاقات المبرمة بين النظام والمعارضة في كل من داريا ومعضمية الشام وقدسيا والهامة إلى الواجهة، ويؤرق المدنيين من مآلات اتفاق جنوب دمشق.
وليد الآغا، ناشط إعلامي من جنوب دمشق، قال لـ”الصوت السوري” “أنا كمدني أخشى من التغيير الديموغرافي، لا سيما أن الميليشيات الشيعية في المنطقة تسعى لتحويل المناطق المحيطة بالسيدة زينب إلى ضاحية جنوبية”.
وأضاف الآغا “ولكن نسبة كبيرة من المدنيين تبحث عن حل يخفف من معاناتهم اليومية، لا سيما مع ضيق الأفق السياسي” مشيراً أنه سيضطر إلى الالتزام بقرار الجميع ولن يتخلى عن مبادئ الثورة حتى لو اضطر إلى الرحيل عن المنطقة”.
من جهته ردّ مصدر مقرّب من اللجنة السياسية لجنوب دمشق على مخاوف المدنيين من تكرار سيناريو داريا والمعضمية وغيرهما “كل الاحتمالات واردة، ودرسنا تجارب المناطق المحيطة والقريبة بدءاً من مضايا والزبداني، مروراً بداريا والمعضمية، ووصولاً لقدسيا والهامة، وربما نكون قد وصلنا لأخطر المراحل في الثورة، لكن لدى اللجنة الكثير من الخيارات والبدائل ستلجأ إليها”.
يذكر أن جنوب دمشق يخضع لسيطرة المعارضة السورية، ويسكن فيه مائة ألف مدني، اضطرت المعارضة فيه إلى توقيع هدنة مع النظام السوري في شباط/فبراير 2014، تحت تأثير الحصار المفروض عليها، واقتصرت “الهدنة” آنذاك على وقف إطلاق النار بين الطرفين، وتقديم الجيش الحر لبعض الأسلحة الثقيلة على أن يوافق النظام على وضع حاجزاً مشتركاً عند مدخل بلدة ببيلا، ويسمح بإدخال المساعدات الغذائية، وتزويد البلدات بالمياه والكهرباء.