ضعف الأسواق ينعكس على صناعة الفحم في ريف اللاذقية
تراجعت صناعة الفحم الطبيعي في ريف اللاذقية، نتيجة ثبات أسعاره بالليرة السورية رغم انخفاض صرفها مقابل الدولار الأمريكي، فضلاً عن تراجع الطلب عليه في الأسواق، وكان لحركات النزوح من ريف اللاذقية أثر على هذه الصناعة التي يشتهر بها الساحل السوري.
اشتهر ريف اللاذقية منذ زمن طويل بصناعة الفحم الطبيعي وتجارته، وازداد الأمر أكثر مع بدء “الثورة السورية” ربيع 2011، ومع غياب الرقابة أصبحت الأشجار والغابات في جبال اللاذقية “تحت رحمة الفأس والمنشار” وباتت صناعة الفحم بجانب المنازل بعد أن كانت في مناطق نائية بعيدة عن المدنيين لمنع الإضرار بهم.
جمعة أبو عدي، يعمل في صناعة الفحم منذ 20 عاماً تحدث إلى مراسل “الصوت السوري” في اللاذقية حول كيفية صناعة الفحم “يتم قطع الحطب ونقله إلى مكان المفحم، ويطلق عليه “كر فحم” وبعد تقطيع الحطب يتم تعميره فوق بعضه البعض، ومن ثم يغطى بالقش بشكل كامل، وبعدها يطمر بالتراب، ويتم إشعال المفحم، تبقى هذه العملية من 7 إلى 8 أيام، ولمعرفة نجاح العملية يتم إطفاؤها وتسمى هذه العملية بعملية (الاختناق)، ومن ثم يتم إخراج الفحم، و تبقى تحت المراقبة بالليل والنهار خوفاً من أن تتحول عملية الاختناق الى احتراق، وبالتالي يصبح الحطب عبارة عن رماد لا قيمة له”.
عزا جمعة أسباب تراجع صناعة الفحم في ريف اللاذقية، إلى سيطرة قوات النظام على قسم كبير من جبال اللاذقية خلال الشهور الماضية، والتهجير القسري لأهلها، وقطع الأشجار عشوائياً لاستخدامه في التدفئة والطبخ، واندلاع حرائق في الغابات نتيجة تعرضها للقصف الجوي والمدفعي، مما جعل المساحة الباقية قليلة جداً.
حركات النزوح للمدنيين في ريف اللاذقية أوجدت حالة من عدم الاستقرار، وانعكس ذلك على توفر الأيدي العاملة، فضلاً إلى تراجع العائد المادي من صناعة الفحم، نتيجة بقاء سعر الكيلو بالليرة السورية ثابتاً رغم انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار الأمريكي.
جمعة أبو عدي يعمل مع 30 شخصاً آخرين من أصدقائه وأقربائه في صناعة الفحم قرب الخيام التي نزحوا إليها هم وأطفالهم، رغم الأضرار الصحية التي قد تصيبهم وتصيب عائلاتهم داخل الخيام، ولكن غياب فرص عمل أخرى دفعهم إلى العمل بهذه المهنة متجاهلين أضرارها.
ينتج “جمعة” 2 إلى 3 طن شهرياً، وهذا يعتمد على كمية الحطب المتوفرة، ويحصل على الحطب من خلال شراء كميات منه، وقطع كميات أخرى، وتبلغ تكلفة الطن 190 ألف ليرة سورية، ويبيعه بـ 240 ألف، حسب السوق والنوع، وهذا الربح القليل هو ما أجبر العاملين إلى العزوف عن هذه الصناعة.
محمد عمر محو، تاجر فحم، يشتري الفحم من ريف اللاذقية ويبيعه في محافظة إدلب، قال لمراسل “الصوت السوري” بأن “تجارة الفحم تراجعت بعد المعارك الأخيرة في حلب ومحاصرتها، حيث خفّ الطلب على الفحم، خاصة فحم الشواء باعتبار مدينة حلب أكثر المدن استهلاكاً لفحم الشواء، كما تأثر طلب الفحم مع إقفال العديد من المطاعم والمقاهي نتيجة القصف المستمر على مدينة إدلب وضواحيها”.
وأضاف عمر: “قلة الأرباح الناتجة عن الفحم أثرت على تجارته، حيث بقيت الأسعار على حالها مع انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، فسعر الكيلو الواحد من فحم النرجيلة يصل إلى 300 ليرة سورية، بينما سعره من فحم الشواء 250 ليرة سورية”.
وأشار عمر بأن تجارة الحطب أصبحت أفضل من تجارة الفحم، حيث بلغ سعر طن الحطب 50 ألف ليرة سورية ، والصنوبر الأخضر 42 ألف ليرة، مما حول البعض إلى تجارة الحطب بدلاً من الفحم”.
صناعة الفحم الطبيعي في ريف اللاذقية تمرّ بأزمة كبيرة، ولكنها لم تمت، إذ أن بعض الأهالي غير الحاصلين على شهادات علمية، استمروا في صناعة الفحم باعتبارها “حرفتهم القديمة” رغم كل الظروف والصعوبات.
عبد الرحمن أوسي، البالغ 70 عام، واحد من أولئك، يعيش وحيداً في خيمته بريف اللاذقية بعد أن هاجر أفراد عائلته وتركوه وحيداً، قال لمراسل “الصوت السوري” “لم أجد عملاً آخر غير صناعة الفحم لكسب الرزق، فقدت بيتي وأرضي وعائلتي، ورغم كبر سني أذهب إلى الوادي وأحمل الحطب على ظهري مسافة طويلة، لأحصل في نهاية الشهر على مبلغ 15 ألف ليرة سورية أؤمن بها احتياجاتي”.